top of page

التعويضات المالية والمادية في سوريا وتحدياتها




 

ملخص تنفيذي

بعد أكثر من عقد على انطلاق حركة الاحتجاجات 2011 والتغيرات السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها سوري، مع ما خلفته من ضحايا من مختلف الفئات والمجتمعات السورية، ثمة مناخ سياسي في الدول الإقليمية لإعادة العلاقات الطبيعية مع نظام الأسد وربما إجبار السوريين المعارضين على القبول بتسويات سياسية هي أشبه بالاستسلام غير المشروط، لا تضمن لمئات آلاف الضحايا حقوقهم وتأتي على حساب معاناتهم المديدة. تتناول هذه الدراسة مسألة التعويضات المادية بوصفها من أهم أشكال جبر الضرر وأكثرها تأثيراً في آليات العدالة الانتقالية. ويقصد بها التعويضات المالية المباشرة وغير المباشرة المقدمة للضحايا لتعويضهم عن الأذى الذي لحق بهم جراء الحرب، بما في ذلك تحديد أولويات الضحايا والانتهاكات المرتكبة وأشكال التعويض المادي، وآليات ربط هذه العملية مع التنمية المستدامة.

تجد الدراسة بحسب النقاشات التي أجريت مع المجتمع المدني في سوريا حول المحور الأول عن التعويضات المادية، أن قضية تحديد المستفيدين المحتملين من بين الضحايا هي قضية معقدة وبحاجة إلى توحيد سجلات الضحايا في سوريا بما يساهم في تحديدهم بشكل أكثر دقة، إضافة إلى ضرورة وجود برلمان منتخب ديمقراطياً يقرر في شأنها. كما تجد الدراسة أنه من المهم أن تأخذ السرديات المحلية للضحايا الأولوية على إنشاء سردية وطنية عامة.


رغم ذلك، يمكن القول إن الاتجاه العام في النقاشات كان مؤيداً بشدة لاستثناء المقاتلين والعسكريين من آليات التعويض المالية، مع الأخذ بعين الاعتبار إعداد برامج لإعادة دمجهم في الحياة المدنية. كذلك تم التأكيد على ضرورة ألا تقتصر التعويضات على ضحايا العقد الأخير فقط، بل أن تشمل الضحايا السابقين و"المزمنين"، كالمجردين من الجنسية ، والذين تعود معاناتهم إلى فترات سابقة وتسببت بها أنظمة سابقة، وكذلك الأفراد الذين انتزعت ملكياتهم دون التعويض عليهم بشكل عادل.


وعن الانتهاكات وأولويات تعويضها، تجد الدراسة أن الأولوية هي للإزالة الفورية لآثار الانتهاكات المتعلقة بالمسكن وبالتغييرات الديمغرافية في سوريا، وإزالة آثار النزاع عن الأطفال وجيل الحرب، ومعالجة قضية المعتقلين وإعادة إدماجهم في سوق العمل، والتعويضات المالية لضحايا الفصل التعسفي وأهالي القتلى والمفقودين قسراً. كما طرحت أفكار عن ضرورة معالجة الانتهاكات الجمعية المتعلقة بالثقافات المحلية. ووجدت الدراسة أنه يجب تقديم تعويضات مالية للمتضررين وتقديم خدمات مجانية لهم، وتأمين فرص العمل مع التأهيل الدراسي والمهني للمتضررين، وتطبيق سياسات اقتصادية تعزز المساواة، وإعادة تأهيل المساكن وتوفير سلات غذائية شهرية. وتدعو الورقة إلى ضرورة إنشاء لجان تحكيم محلية والاعتراف بدورها في حل النزاعات المحلية فيما يخص التعويضات وعدالة توزيعها.


كما تناقش الدراسة موضوع ربط التعويضات المادية مع التنمية المستدامة، وذلك عبر تركيز المشاريع التنموية على دعم الأماكن المتضررة، والعمل على تهيئة البنية التحتية لعودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم، وضمان توزيع الفرص التنموية بشكل عادل بين المناطق، وتشجيع الاستثمار في المناطق الكردية وباقي المناطق السورية المهمشة تاريخياً.


تعالج الورقة كذلك في المحور الثاني جملة من التحديات التي تواجه أو ستواجه عملية تصميم وتنفيذ برامج التعويضات المادية، أجري تحليل لغياب الإرادة السياسية للاعتراف بالضحايا وأسبابها المرتبطة بتورط مختلف الجهات في ارتكاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. إضافة إلى تحليل التحديات التي تواجه عملية إشراك الضحايا في تصميم برامج التعويض نتيجة فقدانهم الثقة في مؤسسات الدولة الحالية والمستقبلية، وصعوبة إشراك النازحين واللاجئين في هذه العملية نتيجة ضخامة الاحتياجات اللوجستية اللازمة، كما أن البنية الذكورية للمجتمع ومؤسسات الدولة والمؤسسات السياسية يساهم في إبعاد الضحايا من النساء عن المشاركة في تصميم برامج التعويض. تتناول الدراسة أخيراً التحدي الذي يواجه تحقيق العدالة بشكل عام للضحايا في حال الاكتفاء بالتعويضات المادية دون وضعها ضمن استراتيجية متكاملة مع آليات العدالة الانتقالية من جهة والإصلاح المؤسسي من جهة أخرى.

في المحور الثالث والأخير، تتناول الدراسة الدور المطلوب من المجتمع المدني السوري في إدماج التعويضات المادية ضمن مسارات التسوية السياسية في سوريا، وفي الآليات الدستورية والقانونية في المستقبل، ودوره في مراقبة وتقييم تنفيذ برامج التعويضات المادية والأهداف التي تحققها. كما يتحمل المجتمع المدني المسؤولية الأكبر في الدفاع عن المشاركة الفعالة للضحايا النساء في تصميم وتنفيذ برامج التعويضات.



لقراءة المزيد...



Comments


bottom of page