سوريا | اربيل | بروكسل
ما الجديد؟ تشهد الساحة السياسية الكوردية في روچآفا "شمال شرق سوريا" مؤخراً مباحثات دورية بين الأطراف الكردية بدعم من قبل عدد من الجهات الدولية والإقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، إذ بات الحوار الكوردي – الكوردي أحد عوامل الاستقرار تزامناً مع التقلبات الاقتصادية والسياسية في سوريا عامة وشمال شرق سوريا على وجه الخصوص لا سيما بعد تطبيق قانون قيصر وفي ظل الانتهاكات التركية والجماعات الموالية لها في المناطق التي تحتلها.
هذا الحوار دفعت الأطراف الكوردية في روج آفا الى مراجعة أوراقها مجدداً ولكن هذه المرة في أجواء سياسية إقليمية ودولية أكثر حساسية، إذ أن الكورد باتوا اليوم أمام مفترق طرق وأصبح مصيرهم ومصير جميع المكونات في شمال شرق سوريا محفوفاً بالمخاطر في ظل كثرة اللاعبين الدوليين والاقليمين وفي ظل جائحة كوفيد - ١٩ التي يبدو أنها قلمت أظافر اقتصادات دول كبرى، وهي مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالوصول إلى اتفاق سياسي كامل الأركان لضمان وصون حقوق الشعب الكردي والشعوب المجاورة بهدف الوصول إلى استقرار سياسي واقتصادي في الشمال الشرقي.
ما أهمية هذا الحوار؟ لهذا الحوار أهمية كبيرة في الوصول إلى استقرار سياسي واقتصادي كما أشرنا سابقاً ليس في شمال شرق سوريا فقط بل في عموم سوريا، فوجود منطقة مستقرة وآمنة من شأنها تخفيف تعقيدات الملف السوري الذي يتميز بتعددية الأطراف وبأنه صراع مركب بشكل عامودي وأفقي فالصراع في سوريا اليوم لم يعد كما كان عليه في بدايتها في العام ٢٠١١ بين الحكومة السورية والمعارضة فقط بل بات اليوم صراعاً متعدد الأطراف تشمل مناطق نفوذ إقليمية ودولية بالإضافة الى صراعات دينية وقومية تجاوزت حدود البلد الواحد، وبالتالي هناك حاجة منطقية الى التعامل مع الصراع وفق الشكل الحالي والعمل على إيجاد حلول بشكل جزئي على المستوى السياسي أيضاً كما حدث ويحدث على المستوى الأمني ومن شأن ذلك أن يخلق مساحات وعوامل استقرار يمهد الطريق الى تهيئة أرضية صلبة لانتقال سياسي شامل، كما أن من شأن نجاح الحوار بمرحلته الأولى أن يؤدي إلى إنقاذ جزء من سوريا من الدمار والخراب الاقتصادي والاجتماعي وأن يشكل ملاذ أمناً وقاعدة لبناء مستقبل أفضل لجميع السوريين.
الأهمية الأخرى هي أن نجاح الحوار قد يساعد في إضعاف الحكومة السورية بما يساهم في بناء جبهات متوازنة على طاولة المفاوضات وأن يدفع الحكومة السورية للحوار بشكل جدي، ومن ناحية أخرى يرى بعض المشاركون أن نجاح الحوار الكوردي -الكوردي سوف يؤدي إلى تشكيل مرجعية سياسية موحدة بين الأطراف الكوردية في روج آفا / شمال شرق سوريا لتمثيل الشعب الكوردي في أي عملية سياسية سورية وسوف يعزز من فرص مشاركة الكورد في جنيف وهو بدوره يساهم في تعزيز هذا المسار، كما إن الكثير من الأطراف المعيقة لتشكيل جبهة كردية موحدة ترى في الخلاف الكوردي -الكوردي أوراق ومبررات يستخدمها كل طرف لأجنداته الخاصة وبالتالي فإن توحيد الصف الكردي سيُخضع عدد من الأطراف الإقليمية والدولية وعلى رأسهم تركيا والحكومة السورية بالقبول والتفاوض مع الكورد.
وأخيراً إن نجاح الحوار الكوردي سينعكس إيجاباً على الجوانب الاقتصادية، الاجتماعية، العسكرية والمدنية في شمال شرق سوريا على المدى المتوسط والبعيد وهو ما قد يساعد في عودة اللاجئين والنازحين داخلياً إضافة إلى المهجرين قسراً من مناطق الصراع.
العوامل الداخلية والخارجية وانعكاساتها على الرؤية السياسية بين الأطراف الكوردية: هناك الكثير من التحديات التي قد تشكل عائقاً أمام نجاح الحوار ولعلَّ أبرزها هي عدم توفر الإرادة السياسية الكاملة لدى الطرفين المتفاوضين حيث انه من المعلوم أن كلا الطرفين يمتلك عدة تيارات لديها رؤى مختلفة تجاه الحوار وهو ينقسم إلى تيارين عريضين أحدهما يرى جدوى وأهمية تقاسم السلطة والنفوذ السياسي والاقتصادي والآخر يرى أنه لا يوجد جدوى من هذا التقاسم وانه سوف يزيد من تعقيدات الوضع.
التحدي الآخر هو أن الحوار الكوردي مرتبط بالمحاور الكوردستانية النافذة وهي (أربيل، السليمانية وقنديل) ونجاح هذه الحوار يعتمد على اتفاق هذه الأطراف الثلاث حول رؤية مشتركة متعلقة بالحوار الكوردي أو أن يتم فصل الحوار بشكل نهائي عن هذه المحاور وهو ما يبدو صعباً في ظل التعقيدات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
نجاح الحوار سوف يضر ببعض بمصالح دول الآستانا (روسيا تركيا وإيران) إضافة إلى الحكومة السورية حيث أن جميعها تسعى لفرض أجواء سلبية وتضع الحواجز أمام التوصل إلى رؤية سياسية موحدة بين الأطراف الكردية على الرغم أن الحوار لازال في طور البداية والتقدم.
وأخيراً يظهر جلياً وجد فجوة كبيرة في الرؤى بين رعاة الحوار، الولايات المتحدة ودول التحالف، وعلى الرغم من محاولات عزل الحوار الكوردي عن التغيرات السياسية والاقتصادية في الدول الراعية إلا أن الجميع يترقب ما سوف تؤول إليه الانتخابات الأمريكية وخاصة أن الإدارة الامريكية الحالية رؤيتها قصيرة المدة وهي تتمحور حول العمل على إيجاد استقرار ثم اتفاق سياسي مع روسيا يضمن الحفاظ على حلفاء الولايات المتحدة لحفظ ماء وجهها لا أكثر.
ما الذي يجب العمل عليه؟ التضمين والمشاركة: هناك قصور في عملية التضمين والمشاركة في الحوار وهي تلك المتمثلة بإبقاء المجتمع المدني والنساء بعيداً عن أطر الحوارات الجارية وهذا ما قد ينعكس سلباً على الجهود المبذولة في الوقت الذي نتطلع فيه لتوسعة قاعدة الحوار بمشاركة جميع الأطراف التي من شأنها دفع عجلة الحوار للأمام، عملية التضمين وقصورها لا تقتصر على غياب المجتمع المدني والنساء، بل انها تمتد لتشميل بعض الأحزاب الكوردية خارج الإطارين المتحاورين وأبرزها حزبي (الوحدة الديمقراطي الكوردي في سوريا، الديمقراطي التقدمي الكوردي في سوريا).
غياب الشفافية: لا بد من معالجة قضية غياب الشفافية من خلال إنشاء مركز إعلامي معتمد يتفاعل ويشارك مخرجات الحوار مع الرأي العام، هذا الأمر سينعكس إيجاباً لمعالجة حالة الفوضى والتخبط التي قد تطرحه بعض الجهات الإعلامية ومساحات التواصل الاجتماعي الأمر الذي – بالتأكيد – سيعزز من الثقة بين الطرفين والرأي العام.
قضية المعتقلين: لا بد من الاستمرار في الجهود التي يتم بذلها من أجل معالجة ملف المعتقلين السياسيين بما يؤدي إلى إطلاق سراح الجميع بدون قيد أو شرط وكشف مصير المختطفين ومحاسبة جميع المتورطين في هذه الانتهاكات أياً كانت الجهة الفاعلة.
التعليم: تشكل قضية التعليم والمناهج التعليمية إحدى أكبر التحديات التي تواجه الحوار الكوردي-الكوردي ليس فقط بالنسبة للأطراف السياسية الكوردية بل أيضاً لجميع مكونات شمال شرق سوريا وعليه يجب تشكيل لجنة تكنوقراط حيادية لوضع نظام تعليمي يعبر عن جميع مكونات شمال شرق سوريا ويخدمها، حيث يجب أن تتمتع العملية التعليمية بالحيادية والاستقلالية الكاملة عن جميع التيارات السياسية، ويمكن للأمم المتحدة أن تلعب دوراً فاعلاً وعلى وجه الخصوص اليونسكو للمشاركة في تفعيل مناهج دراسية وضمان بقاء العملية التعليمية خارج الأطر السياسية لكافة الأطراف الفاعلة إضافة إلى وضع آليات من شأنها متابعة ومراقبة العملية التعليمية للحفاظ على حيادية التعليم واستقلاله و الارتقاء به.
العقد الاجتماعي والحوكمة: لا يجوز أن يقوم طرفين سياسيين لوحدهما بوضع العقد الاجتماعي أو شكل الحوكمة بدون توسيع قاعدة المشاركة وبدون وجود استراتيجية تؤدي الى بناء مؤسسات حيادية فهذا يحمل في طياته مخاطر كبيرة من شأنها بناء مؤسسات غير حيادية تؤدي الى محاصصة سياسية تنتج مؤسسات ضعيفة، كما قد تؤدي الى حرمان المواطنين من حقهم في رسم مستقبل بلادهم لذلك يجب أن تكون عملية وضع العقد الاجتماعي هي عملية تتمتع بالتضمين والمشاركة بشكل واسع ويجب أن يتم وضعها من خلال حوار وطني شامل ومن ثم يمكن وضع الأطر الاستراتيجية لعملية الحكومة بما لا يخلف العقد الاجتماعي الذي من المفترض أن يعبر عن جميع المكونات سواءٌ السياسية منها أو الاجتماعية.
القوى العسكرية: تشكل قوات سوريا الديمقراطية والأجهزة الأمنية الاخرى الحامل الأساسي للواء الاستقرار الأمني في شمال شرق سوريا وعليه يجب أن يتم العمل على بناء مؤسسة عسكرية حيادية بعيدةً عن أجندات سياسية خاصة وعن الأطراف السياسية، الحديث المتداول عن تقسيم السلطات داخل هذه المؤسسة هو بمثابة قنابل موقوتة قد تنفجر بأي وقت فلا يمكن بناء مؤسسة عسكرية من قوة عسكرية حزبية أو عشائرية. ويبقى السؤال عن الجهة التي يمكن لها مسائلة هذه القوة في ظل غياب برلمان منتخب وموحد وفي ظل غياب قضاء مستقل ومتمكن وأخيراً في ظل غياب دستور يمثل الجميع.
ما هو الدور التي يمكن أن تؤديها منظمات المجتمع المدني والنساء؟ يمكن أن تلعب منظمات المجتمع المدني والنساء دوراً فعالاً من خلال المراقبة والتقييم للحوار بين الأطراف كما يمكن أن تلعب دوراً وسيطاً في تعزيز تقارب وجهات النظر من خلال أعمال الحشد والمناصرة والحوارات المجتمعية وإشراك المكونات الأخرى (القوى المسيحية والعشائر العربية في المنطقة) في الحوار وتضمين احتياجاتهم ومطالبهم ضمن الاتفاقية السلام التي سوف يتم التوقيع عليها، أيضاً يمكن أن تؤدي دوراً استشارياً، كما يمكن للمنظمات والنساء المشاركة بالمباشرة في الحوار ويمكن لها إضافة قيمة كبيرة.
ملاحظة: هذه الورقة تم بناؤها على النقاشات التي دارت بين ١٦ منظمة محلية في ١٥ \٠٧\٢٠٢٠ وهي لا تمثل وجهة نظر جميع المنظمات المشاركة.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى التواصل مع تفن من خلال البريد الالكتروني
. Info@tevnakurdi.org
كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. واشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز
Comments