٢١ كانون الأول ٢٠٢١
نسخة PDF. متوفر باللغة الانكليزية
في المناقشات حول مستقبل الزراعة والثروة الحيوانية، يحتل التركيز على المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح، ووضع أهداف واضحة على المدى القصير والمتوسط والطويل وبتكاليف محدودة أمر بالغ الأهمية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال وضع الإطار الاستراتيجي المناسب الذي يجب أن يحكم السياسية الزراعية، وذلك من خلال تعزيز حلول الزراعة وأنظمة الزراعة المستدامة على سبيل المثال كزراعة الحافظة، واعادة تأهيل البنية التحتية لأنظمة الإنتاج في القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، ونقل التكنولوجيا المتعلقة بالعمليات الزراعية التي تساعد على التكيف مع تغير المناخ، وتعزيز دور مراكز البحوث الزراعية.
في هذا الورقة تحدد تفن بناء على المناقشات مجموعة من المقترحات لإصلاح القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وترسم خريطة بشأن إعادة التفكير في الإدارة الزراعية في شمال وشرق سوريا، النقاشات جمعت ممثلي عن الادارة الذاتية مجال القطاع الزراعي ومشاركين من المزارعين والفلاحين ومن يمثلهم ومن منظمات المجتمع المدني ومن الخبراء الزراعييين.
خلفية.
شمال وشرق سوريا سلة الغذاء في سوريا، ونظرًا لتوفر حقول القمح والشعير بمساحات كبيرة، تتم تربية الماشية على نطاق واسع في المنطقة. وكلاهما يلعب دورًا مهمًا في الأمن الغذائي ودعم للسكان المحليين.
تواجه سبل العيش القائمة على الزراعة (بشقيها النباتي والحيواني) في شمال شرق سوريا العديد من التحديات التي تؤثر على الإنتاج وتؤدي إلى تفاقم مشكلة الأمن الغذائي وتراجع فرص العمل والتنمية الاقتصادية وبالتالي ارتفاع معدلات الفقر لسكان المنطقة.
يعود سبب معظم هذه التحديات إلى الجفاف الشديد وتغير المناخ الذي أثر على انتاجية المحاصيل وبالتالي على دخل المزارعين وعدم توافر المدخلات الزراعية (كما ونوعا)، وضعف التخطيط والدعم الزراعي، وتدهور البنية التحتية الزراعية في بعض المناطق، ناهيك عن التحديات الامنية والسياسية مثل استخدام تركيا المياه كسلاح حرب ضد شمال وشرق سورـيا. وعلى الرغم من جهود الإدارة الذاتية لدعم القطاع الزراعي، إلا أن الموارد المحدودة جعلت من الصعوبة بمكان التغلب على هذه التحديات. حيث أدت هذه التحديات إلى انخفاض كبير في الإنتاج المحلي من القمح والمحاصيل الأخرى. بحيث قدّر إنتاج القمح للموسم السابق بنسبة 16٪ فقط من متوسط الإنتاج قبل العام ٢٠١١.
كل هذه التحديات تعتبر بمثابة فرص محتملة للتنمية من قبل الجهات الفاعلة التي يمكن أن تساعد في تحقيق التنمية الزراعية من خلال التدخلات المخطط لها بعناية.
ندرة المياه وتغير المناخ.
يتمثل تغير المناخ والجفاف في شمال شرق سورية بثلاثة عوامل رئيسية اولها انخفاض معدل الهطل المطري بشكل كبير قياسا للمعدلات السنوية، وكذلك حدوث انزياحات في الهطل المطري خارج مواعيد احتياج المحاصيل لها، وثالثا ترافق هذان العاملان بموجات حر شديدة لاحقة تؤثر على انتاجية المحاصيل وبخاصة في مراحل تشكيل الحبوب.
يعتبر ري القمح وسقي الماشية من المتطلبات الصعبة لكل من القمح والمواشي على حد سواء فمثلاً تعتمد حوالي 70٪ من الأراضي الزراعية في محافظة الحسكة على مياه الأمطار وهذا يجعل أراضي المحاصيل والمراعي عرضة لتهديدات تغير المناخ. فقد انخفض معدل هطول الأمطار في فصل الشتاء على شمال شرقي سوريا خلال عام 2017 بنسبة تصل إلى 40٪ عن متوسط هطول الأمطار المسجل وفي عام 2021 الى حوالي 50%. وبالتالي، فإن المحاصيل والمراعي اصبحت أقل من المتوسط هناك عدم أسباب وعوامل ساهمت في هذا الانخفاض وهي:
يشكل تغير المناخ الناجم عن قلة هطول الأمطار خطيرًا كبيرا على حالة الأمن الغذائي وسبل العيش في شمال شرق سورية.
الاعتماد المتزايد على المياه الجوفية للري والإنتاج الحيواني هو ممارسة غير مستدامة بشكل خطير؛ وفي تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بعنوان ندرة المياه والعمل الإنساني الاتجاهات والتحديات الرئيسية الناشئة، فإن القطاع الزراعي مسؤول عن أكثر من 85 ٪ من المياه المسحوبة من طبقات المياه الجوفية. ويرى بعض الباحثين وبالنظر إلى معدل النمو السكاني المقدّر فإن سوريا تقترب بالفعل من ندرة المياه المطلقة عتبة 500 م 3 / للفرد / سنة بحلول عام 2050.
كما يفتقر المزارعون في شمال شرق سوريا إلى المياه الكافية بسبب تدمير شبكات الري الكبيرة على نهر الفرات خلال الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وسوف تكون إعادة تأهيل هذه الشبكات بطيئة ومكلّفة، وتتطلب مساعدة كبيرة من المنظمات غير الحكومية والدولية والانسانية.
بالإضافة إلى ذلك، تستخدم تركيا المياه كسلاح حرب، مما يقلل من تدفق مياه نهر الفرات والاستفادة من المياه الجوفية حول الحدود، وبالتالي تقليل الكميات المتاحة للزراعة، ومن الصعب جداً إيجاد مصادر جديدة للمياه لعدد كبير من السكان،
توفر المدخلات والمستلزمات الزراعية.
في عملية التطوير الزراعة تمثل عملية تحديد مستلزمات الزراعة العملية الاسهل مقارنة بعملية توفير في ضل التحديات أعلاه، وتتمثل هذه المستلزمات في:
المحروقات: نقص، بغير وقته اثناء الاحتياج، جودة المازوت ينعكس على الات، ازدياد السعر
البذار (كما ونوعا) بشكل خاص للقمح، الكمية المتوفرة لدى المزارعين قليلة جدا بسبب فشل الموسم السابق وبذات الوقت عدم توفر الكميات الكافية لدى الادارة لسد كامل الاحتياجات حيث تم تحديد 5 طن لكل مزارع (تكفي لزراعة مساحة 25 هكتار/مزارع).
عدم وجود اصناف مغربلة ومحسنة عالية الإنتاج، لتوزعيها على المزارعين.
الاسمدة: غير متوفرة بالوقت المناسب وبالكميات والانواع المطلوبة وبذات الوقت سعرها مرتفع قياسا لسعر بيع القمح من قبل المزارع.
المبيدات: دخول المبيدات بشكل عشوائي وبدون ضوابط وقوانين تنظم استيراد وبيع وتداول المبيدات الزراعية لهذا السبب يتم استيراد مبيدات ذات جودة منخفضة ومن مصادر غير معتمدة عالميا وهذا يترتب عليه ضعف في فاعلية المبيدات وبذات الوقت زيادة بالضرر على البيئة والصحة.
الادوية البيطرية: ينطبق عليها ما ينطبق على المبيدات بالإضافة الى عدم توفر اللقاحات الاساسية والضرورية للمواشي والدواجن وهذا يشكل خطرا على الثروة الحيوانية.
الاعلاف: بسبب فشل الموسم الزراعي السابق وبخاصة الشعير حيث لم تنتج محافظة الحسكة أكثر من 4% من انتاجها عام 2020 وبذات الوقت عدم وجود مخزون استراتيجي لهذا المكون العلفي الهام حيث تم تصديره في المواسم السابقة بطريقة غير محسوبة العواقب. مما اضطر مربي الماشية الى بيع جزء من مواشيهم لسد حاجة باقي القطيع من الاعلاف وهذا تسبب بخفض كبير جدا لأسعار المواشي بالسوق المحلي وبالتالي خسارة جزء من الثروة الحيوانية عن طريق تصديرها الى خارج البلاد.
دور الادارة الذاتية بين الامكانيات المتاحة والمتطلبات الملحة.
تتبع للإدارة الذاتية وحدات كجزء من هيكلها لدعم قطاع الزراعة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها. التي تدير العديد من المؤسسات والمنشآت الزراعية وهي تقوم بعدة أدوار ومنها.
فيما يتعلق بمحصول القمح، تعمل الادارة على تخزين القمح في الهواء الطلق والمطاحن والمخابز ومراكز الحبوب، يقوم مركز الحبوب الذي تديره بخدمات محدودة.
وتشمل هذه الخدمات توفير جزء يسير من البذور والأسمدة المدعومة بالإضافة إلى الإرشادات الفنية. علاوة على ذلك، يقوم مركز الحبوب بشراء معظم محصول القمح من المزارعين بسعر ثابت مقابل معايير جودة محددة. يدفع مركز الحبوب للمزارع بعد فترة قصيرة مقابل إيصال تم إصداره عند شراء الحبوب.
كما وتدير جزءًا من نظام الطحين إلى الخبز المملوك سابقًا للحكومة السورية لتوفير خبز منخفض السعر وهذا أصبح من أكبر التحديات التي تواجه رغيف الخبز بسبب فشل محصول القمح بالموسم السابق وعدم وجود مخزون استراتيجي لتغطية هذا الجانب، ناهيك عن الحاجة الى تأمين البذار لزراعة الموسم اللاحق، حيث تغطي الإدارة الذاتية حوالي 80٪ من احتياجات سوق الخبز المحلي بينما يغطي القطاع الخاص نسبة الـ 20٪ المتبقية.
كما تعمل على دعم القطاع الزراعي بالمواد التشغيلية كالمحروقات التي اصبحت شحيحة وتشكل عبئا ثقيلا على كاهل المزارعين وبخاصة بعد ارتفاع سعره بالآونة الاخيرة.
ومع ذلك، نظرًا للجفاف والقدرة المالية المحدودة والأولويات المتنافسة، فإن خدمات الادارة الذاتية الداعمة للزراعة غير كافية ولا يمكنها تعويض نظام الدعم الحكومي الذي كان سائداً بسبب مجموعة من التحديات اهمها:
قلة الكوادر الفنية المختصة ومحدودية الخبرات العلمية العاملة في دوائرها بسبب الهجرة وغلاء المعيشة الذي لا يغطي احتياجات الباحثين.
عدم تفعيل مراكز البحوث الزراعية واخذ دورها الفعال في تنمية المنطقة، ناهيك عن غياب احصائيات وأرقام دقيقة.
ضعف بالسياسات الزراعية والبيرو قراطية والاجراءات التي تأخذ وقت طويل التي تؤخر من ايصال المدخلات والمستلزمات للفلاحين وتسبب ازمة على هذه المواد مثل تامين المازوت بالوقت المحدد (جرارات – مضخات) اضافة الى شكوى المزارعين من سوء توزيع المدخلات بين المناطق التي تقع تحت سيطرة الادارة الذاتية.
غياب إستراتيجية واضحة تتعلق بالمخزون الاستراتيجي (تصدير الاقماح وبعدها استيراد القمح والطحين)، وعدم اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على القمح المخزن كما حصل في خسارة 300 ألف طن من القمح بعد الاجتياح التركي لرأس العين، ضعف بعدالة توزيع المدخلات الزراعية بسبب وجود عدد كبير من الرخص الزراعية الوهمية، الافتقار للحجر الزراعي ودخول اصناف البذور بشكل عشوائي وبدون رقابة.
ضعف قوانين ادخال المبيدات الزراعية بدون ضابط.
غياب خطة استراتيجية تلبي حاجة الواقع الزراعي التي تواكب التغيرات المناخية.
الحلول المقترحة.
الاعتماد على تحسين المعاملات الزراعية كحلول قصيرة المدى وغير مكلفة: ان 70% من زيادة الانتاج للمحاصيل تتعلق بجودة المعاملات الزراعية مثل مواعيد الزراعة معدلات الاسمدة ومعدلات البذار عمق الزراعة تحاليل التربة الدورة الزراعية.
كما اوصى الخبراء الى ضرورة اتباع نظم حديثة تتوافق مع التغيرات المناخية التي طرأت بمعنى اخر ضرورة تغيير النهج التقليدي المتبع بالزراعة كاستخدام المعدلات العالية من البذار والسماد والاستخدام المفرط للمياه كإدخال أصناف جديدة وزراعات بديلة مثل البطاطا ووضع خطة زراعية شاملة بناءً على وضع التوزع الجغرافي والمناخي مثل زراعة الأشجار المثمرة كالفستق الحلبي وخاصة في الأراضي الفقيرة وذات السماكة الخفيفة
من اجل التصدي للتحديات التي طرأت كالاعتماد على التقنيات الحديثة وغير المكلفة والمجربة في بيئتنا والتي اثبتت نجاعتها مثل الزراعة الحافظة للتقليل من تكاليف الانتاج تقليل عدد الفلاحات وكمية البذار بوحدة المساحة.
اتباع النهج التشاركي من خلال مشاركة المزارعين بالعملية الزراعية لأنه المعني الاول والاخير مع باقي ذوي العلاقة والمجتمع المحلي، وتشجيع المجموعات المحلية والمنظمات تفعيل دور المزارعين وان يكون المزارع مشاركا بفعالية وعلى دراية بكل ما يتعلق بلقمة عيشه وكمثال على ذلك تنفيذ دورات تدريبية مكثفة للمزارعين للحفاظ وتنقية الاصناف المحلية الناجحة (اكثار ذاتي).
تفعيل مراكز البحوث من اجل استنباط الاصناف او اختبار الاصناف المستقدمة.
رفد المؤسسات والدوائر الزراعية التابعة للادارة الذاتية بخبراء واستراتيجين من ذوي الخبرات لوضع حلول مستدامة لهذا القطاع وفي هذا الصدد لابد من التنويه الى أهمية استثمار وتنمية الموارد البشرية وبخاصة الشباب وذوي الخبرات التي يجب أن تساهم بفعالية أكبر في عملية التنمية.
وضع القوانين الناظمة لاستيراد وبيع وتداول المبيدات الزراعية والادوية البيطرية والاسمدة الكيميائية والعضوية وفتح قنوات مع الحكومات والمنظمات الدولية ذات الشأن مثل منظمة الأغذية والزراعة FAO.
تتعرض الموارد الطبيعية في شمال شرق سوريا للاستغلال المفرط بشكل كبير، ومع ذلك فإن الاستخدام المستدام لها يحظى باهتمام أقل من تأثيرات الأمن الغذائي وتوليد الدخل. وبالتالي، ينصح الخبراء بشدة بالنظر بجدية في هذه المخاطر عند تنفيذ التدخلات الرامية الى تحقيق الامن الغذائي.
Comments