الجزء الثاني: المساعدات الدولية والإقليمية للمناطق المتضررة في سوريا
مقدمة
في ٢٠ من شباط تعرضت كل من سوريا وتركيا إلى زلزالين آخرين بلغت قوتهما ٦.٣ و ٥.٨ على مقياس ريختر، بعد أسبوعين فقط من الزلزال الذي بلغ قوته ٧.٨ أدى الزلزال مرة أخرى إلى وقوع قتلى وتدمير للبنية التحتية. في خضم هذه الكارثة ، وصلت المساعدات بسرعة إلى تركيا. ومع ذلك ، فقد كان من الصعب إيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة في شمال وغرب سوريا ، خاصة تلك التي لا تخضع لسيطرة الحكومة. مثل وعفرين، الشيخ مقصود، أدلب.
تقوم تفن حاليًا بنشر سلسلة من الأوراق حول الزلزال . تناول الجزء الأول من هذه السلسلة الأسباب الرئيسية لتأخر أو عدم وصول المساعدات الخارجية الى متضرري الزلزال في سوريا ، بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية وأعاقت وصول المساعدات. وقد وجدنا تسييس للمساعدات الانسانية، سوء التنسيق، الفساد، والتمييز.
ستنظر هذه الورقة في هذه العناصر من منظور دولي ، مع التركيز على المساعدات الخارجية للمناطق المتضررة في سوريا. و بشكل خاص المساعدات التي تقدمها دولة العراق والأمم المتحدة كأمثلة على المساعدات الإقليمية والدولية كما تحلّل كيفية تأثّر أو تأثير ذلك على تسييس المساعدات القادمة لسوريا.
تستند سلسلة الأوراق إلى روايات الشهود داخل المناطق المتضررة بالإضافة إلى معلومات مباشرة من المسؤولين وعمال الإغاثة ، وتركز على الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للكارثة. من أجل هذه الورقة ، تحدث تفن إلى حوالي سبع جهات اتصالات من داخل سوريا والعراق ومن الأمم المتحدة
السياق الحالي
وصل إجمالي عدد الرحلات الجوية التي وصلت إلى مطارات دمشق، وحلب، واللاذقية إلى ٢٥٦ طائرة حتى تاريخ أعداد هذه الورقة، وفقًا لمدير الطيران المدني في سوريا ، باسم منصور، حيث وصلت ١٢٧ طائرة كمساعدات من الامارات العربية المتحدة فقط. إجمالي كمية المساعدات التي وصلت إلى سوريا تبلغ ٧٢٠٠ طن.
وصل عدد شاحنات المساعدات التي دخلت شمال وغرب سوريا من تركيا من قبل الأمم المتحدة من لحظة الزلزال حتى ٢٨ شباط إلى ٤٢٣ شاحنة. هذا بالإضافة إلى شاحنات المساعدات التي توفرها المنظمات المحية والدولية والسورين في الخارج ، ووفقًا لبيانات الحكومة السورية المؤقتة والمعابر الحدودية مع تركيا ، فأن عدد الشاحنات التي دخلت إلى سوريا بلغ ١١٤٣ شاحنة من المساعدات.
كل هذه الجهود حتى الآن لم تكن قادرة على سد حتى جزء صغير من الاحتياجات ، ، بالنظر إلى حجم الكارثة التي أدت في سوريا وحدها ، وفقًا لأحدث الإحصاءات ، إلى وفاة ٥٩٥١. هذا في حين أن رئاسة الكوارث التركية وإدارة الطوارئ (آفاد) أعلنت عن تسجيل ٤٤٣٧٤ حالة وفاة ، ليصل عدد الضحايا من البلدين إلى ٥٠٣٢٥ شخصًا. هذا بالإضافة إلى أكثر من ١١٥٠٠٠ جريح ، ، قدرت الأمم المتحدة عدد المتضررين بنحو ٢٣ مليونًا وأن من أصبحوا بلا مأوى في البلدين يقدر بنحو ٥.٣ مليون.
كما أشارت ورقة تفن السابقة ، إلى أن الاعتبارات السياسية شكلت عقبة أمام وصول المساعدات إلى المناطق المتضررة ، سواء كان ذلك بسبب التسييس المباشر للمساعدات لتحقيق مكاسب سياسية ، أو سوء التنسيق بين الأطراف المختلفة ، أو التمييز على أساس المصالح السياسية. على سبيل المثال ، مُنعت المساعدات من دخول الى كل من المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية من قبل الحكومة السورية، والمناطق التي تسيطر عليها الفصائل الموالية الى تركية من قبل الحكومة المؤقتة.
بالإضافة إلى ذلك ، فإن الكثير من المساعدات التي يتم الحصول عليها يتم الاحتفاظ بها من قبل الفصائل وتوزيعها على أساس التحيز والتمييز. كما أشارت الورقة السابقة أيضًا إلى أن جميع المناطق المتضررة تقريبًا كانت تعتمد على المبادرات المحلية والجهود الفردية ، بدلاً من المساعدات الخارجية.
المساعدات الإقليمية والدولية: كسر عزل الأسد
على الرغم من هذه المعوقات أعلاه ، فقد وصلت المساعدات الخارجية إلى بعض المناطق المتضررة داخل شمال وغرب سوريا. ٣٠ دولة أرسلت مساعدات للحكومة السورية بلغت آلاف الأطنان من المساعدات.
يجب التمييز هنا بين المساعدات التي تصل من خلال المبادرات الثنائية ، أي من البلدان مباشرة إلى الحكومة السورية ، والمساعدات التي يتم توجيهها من خلال المؤسسات المتعددة الأطراف ، مثل الأمم المتحدة. وبحسب جهة الاتصال مع تفن ، هناك نقص في الوضوح بشأن جميع المبادرات المختلفة على الأرض (الخاصة ، والمحلية ، والدولية ، والثنائية) ، وكيف يتم التعامل مع مختلف أنواع المساعدات من قبل الحكومة السورية. ويشمل ذلك الافتقار إلى أنظمة المراقبة وهياكل إدارة المخاطر لمختلف أنواع المساعدات.
من منظور إقليمي ، وجدت الحكومة السورية ، التي كانت معزولة تمامًا عن العالم الخارجي ، باستثناء حلفائها الروس والإيرانيين والصينيين والبيلاروسيين ، نفسها أمام فرصة تاريخية لكسر عزلتها. أدى الزلزال إلى فتح قنوات دبلوماسية مع الحكومة السوريا. بعد انقطاع دام أكثر من عقد من الزمان ، تلقى بشار الأسد مكالمات هاتفية من العاهل الأردني والبحريني والرئيس المصري. ولأول مرة منذ ٢٠١١ ، زار وزير الخارجية الإماراتي ووزير خارجية الأردن ، أيمن الصفدي ، دمشق للقاء الأسد ، وهي الأولى من نوعها منذ اندلاع الخلاف بين الجارتين. وسافرت وفود رسمية أخرى إلى دمشق من الكويت ولبنان في زيارات غير مسبوقة. وركزت وسائل الإعلام السورية الرسمية على المساعدات من الدول العربية والتحركات الدبلوماسية تجاه الحكومة والأسد بشكل مبالغ.
أصرت دمشق على العمل فقط من خلال الحكومة السورية في ايصال المساعدات إلى المناطق المتأثرة ، وأعلنت أستعدادها في تسهيل عملية تسليم المساعدات إلى جميع المناطق ، بما في ذلك تلك الموجودة خارج سيطرتها. وتم إعفاء جميع الطائرات التي تنقل مساعدات الإغاثة والشاحنات التي تحمل المساعدة إلى المطار من الرسوم الجمركية ، بالإضافة إلى تأمين ست غرف رئاسية لتلقي وفود رسمية ، وفقًا لمدير مطار دمشق الدولي ، بشار غفرة. ورغم ذلك فإن الحكومة السورية إعاقة وصول المساعدات المقدمة من الإدارة الذاتية الى كل من حي الشيخ مقصود والاشرفية في حلب.
لم تقتصر مؤشرات كسر عزلة الأسد على المساعدات الإنسانية فقط. حيث كان وفد الاتحاد البرلماني العربي الذي زار دمشق في ٢٦ شباط مؤشرًا أيضًا على تحسن العلاقات. وضم الوفد رؤساء مجلس النواب في العراق والأردن وفلسطين وليبيا ومصر والإمارات ، بالإضافة إلى نواب من سلطنة عمان ولبنان.
استخدمت بعض الحكومات الزلزال كفرصة لإعادة العلاقات مع الاسد. على سبيل المثال ، اتخذت تركيا مؤخرًا خطوات لإصلاح علاقاتها مع سوريا. والان يمكن أن توفر الكارثة المشتركة الذريعة اللازمة لتسريع هذه العملية ، وتم اتخاذ الخطوات الأولى لفتح معبرين حدوديين بين البلدين ، وهو ما اعتبر إجراءً عاجلاً لإدخال المساعدات.
المساعدات الإقليمية: العراق كنموذج.
كان العراق سريعًا في حشد الجهود الإنسانية لكل من تركيا وسوريا. كان كل من الهلال الأحمر العراقي وفريق من وزارة الخارجية العراقية من بين الأوائل الذين أرسلوا فرق الإغاثة والإنقاذ عبر طائرات القوات الجوية العراقية إلى غازي عنتاب وديار بكر في تركيا ، ودمشق وحلب في سوريا. كما تم تقديم المساعدات من خلال الشاحنات التي عبرت الحدود إلى سوريا من العراق عبر معبر القائم الحدودي.
وتقدم المساعدات بالتنسيق مع الصليب الأحمر السوري الذي يوزعها على مناطق أخرى من سوريا . كما أرسل إقليم كردستان العراق عددا من الشاحنات إلى منطقة عفرين في سوريا عبر معبر باب الهوى التركي الذي كان مفتوحًا بعد قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (٢٦٧٢) ، والذي يربط مناطق سيطرة المعارضة مع تركيا.
بالإضافة إلى المساعدات التي أرسلتها الحكومة العراقية ، قامت الجهات الفاعلة غير الحكومية أيضًا بوضع مبادرات للمساعدة. مؤسسة بارزاني الخيرية ، على سبيل المثال ، تمكنت من إيصال المساعدات إلى عفرين. كما قامت حكومة إقليم كردستان بتقديم مساعدات إلى بغداد لإرسالها إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية.
ساهمت الجهات الفاعلة في المجتمع المدني العراقي أيضًا في أيصال المساعدات إلى تركيا وسوريا. وصف شخص من المجتمع المدني تحدث إليه تفن عن إطلاق مبادرات عدة من أجل جمع المساعدات العينية وتقديم الدعم المالي والتعاون مع المنظمات المحلية داخل سوريا. هذه الأخيرة ، على حد وصفه ، هي الوسيلة الأساسية لتقديم المساعدة للمناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة حيث يصعب الوصول إليها بخلاف ذلك. وقال أن التعاون مع المجتمع المدني المحلي داخل سوريا يتم من خلال شبكات المنظمات غير الحكومية الدولية.
عندما يتعلق الأمر بالقنوات الحكومية الرسمية ، ذكر جهة الاتصال مع تفن أن التنسيق الثنائي مع تركيا أسهل من التنسيق مع سوريا ، لأن هذه الأخيرة منقسمة عندما يتعلق الأمر بالسيطرة على الأرض وهناك ايضا حساسة دبلوماسية.
المساعدات الدولية: مثال الأمم المتحدة
عندما يتعلق الأمر بالمجتمع الدولي، هناك تردد في تنسيق جهود الإغاثة مع حكومة غير معترف بها على أنها شرعية، ويخشى أن أي مساعدة ستقدم عبر دمشق ستستخدم لمصالحها السياسية الخاصة. لذلك تختار العديد من الدول تقديم المساعدة من خلال مؤسسات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة.
وأشارت التقارير إلى أن مساعدات الأمم المتحدة قد مرت عبر باب الهوى وباب السلام والراعي بعد أن سمحت الحكومة السورية بفتح هذين المعبرين لمدة ثلاثة أشهر. كما ذكر جهة الاتصال مع تفن أنه في ٩شباط دخلت أول قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة عبر معبر باب الهوى إلى إدلب. لكن هذه الشحنة كان مخطط لها قبل الزلزال، وبالتالي لم تحتوي على الإمدادات اللازمة لفرق الوصول والإنقاذ داخل سوريا.
من التحديات الرئيسية التي تواجه توصيل مساعدات الأمم المتحدة لسوريا، وفقًا لجهة الاتصال مع تفن، عدم قدرة الحكومة السورية على استيعاب و إدارة المساعدات بسبب غياب كفاءات في أنظمة الاستجابة. إذ أن الحكومة السورية غير مستعدة لتلقي المساعدات الثنائية والمتعددة الأطراف. على سبيل المثال، لم تتمكن من نشر فرق الإنقاذ التي وصلت على الفور في أعقاب الزلازل مباشرة بسبب غياب هيكل ونظام التنسيق لتوزيع المساعدات. علاوة على ذلك، استنادا الى ما أكده مصدر تفن، فإن دعم الأمم المتحدة الذي وصل إلى سوريا كان أقل نسبيًا من الدعم الذي تلقته تركيا.
نفذت الأمم المتحدة هياكلها الخاصة بمراقبة توزيع المساعدات وإدارة المخاطر عند تقديم المساعدات لسوريا. كما تمكنت من إنشاء عدد من غرف عمليات مع الحكومة السورية من أجل تنسيق أفضل مع السلطات. تعمل الأمم المتحدة أيضًا مع شركاء محليين معتمدين مثل الهلال الأحمر السوري الذين يتمتعون بقدرات أداء جيدة في التنفيذ والرصد.
ومع ذلك، لا يمكن تتبع المساعدات الثنائية التي وصلت من الحكومات الأخرى مباشرة إلى الحكومة السورية، ولا يمكن تتبع آليات إيصال المساعدات التي وضعتها حكومة دمشق. وقد وردت تقارير عديدة عن سرقة هذه المساعدات.
بالإضافة إلى التحدي المتمثل في التنسيق ومراقبة توزيع المساعدات، وفقًا لجهة الاتصال مع تفن من المهم أيضًا التأكد من أن تقديم المساعدات يتم من خلال آليات مناسبة لجميع المحتاجين بغض النظر عن الموقف السياسي من الحكومة.
الخلاصة
لا تزال المناطق المتضررة الخارجة عن سيطرة الحكومة تعتمد بشكل أساسي على المنظمات المحلية والجهود التي يبذلها السوريون داخل وخارج سوريا على المستوى الفردي. على هذا النحو ، يظل الأشخاص الأكثر ضعفًا بدون المعدات والدعم اللازمين لهم لمساعدة أصدقائهم وأفراد أسرهم.
تتثمل التحديات التي تواجه المساعدات الخارجية التي تصل إلى المناطق المتضررة في سوريا في الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية اللوجستية و إمكانية الوصول وتسييس المساعدات من قبل الجهات الفاعلة داخل سوريا وضعف قدرات تنسيق المساعدات من قبل الحكومة السورية. اما المساعدات من الحكومات الإقليمية والمنظمات غير الحكومية وكذلك من المجتمع الدولي مقيدة ومحدودة جغرافيا.
تطالب الحكومة السورية بأن تمر جميع تدفقات المساعدات عبر قنواتها الرسمية. أدى انخراط الجهات الإقليمية الفاعلة مع الحكومة السورية ، فضلاً عن تدفق المساعدات الدولية إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة عبر القنوات الرسمية ، إلى زيادة الشرعية السياسية للحكومة السورية. وعبّر البعض عن ضرورة التعاون مع الحكومة السورية ، رغم التداعيات السياسية ، في ظل الأوضاع المتردية داخل سوريا
الحل البديل لإيصال المساعدات في سوريا هي تقديمها من خلال المنظمات غير الحكومية المحلية. و رغم ذلك ، فإن الدعم الذي يمكن تقديمه لهؤلاء الفاعلين المحليين محدود ، حيث يصعب دخول المساعدات المادية والمالية.
التوصيات:
تكثيف المساعدات:
- المساعدة الطارئة: لا يزال الناس داخل سوريا بحاجة إلى المساعدات الطارئة.
- المساعدة طويلة المدى: تشمل الدعم النفسي و دعم آليات لمراقة توزيع المساعدات والمحاسبة.
فصل المسار الإنساني عن المسار السياسي:
- استخدام المعابر المفتوحة: ضغوط سياسية من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لاستخدام المزيد من المعابر الحدودية.
- مناطق الاتصال داخل سوريا: زيادة كفاءة التنسيق داخل مختلف المناطق المتضررة في سوريا.
- إطار الدعم: إنشاء غرف دعم في سياق الأطر الدولية الموجودة سلفا، مثل مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا والتي تركز على تعزيز قدرة المجتمع المدني المحلي بعد الزلزال.
يجب على جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية أن تأخذ الزلزال كمثال لإنهاء الصراع في سوريا، وعليها أن تعمل بشكل عاجل لتنفيذ قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ من أجل سلام دائم في سوريا.
Comments