
Written: By Renas Sino
CEO of Tevn
مدخل:
تتواجد تركيا اليوم في ثلاثةِ دولٍ بآن واحد ((سوريا , العراق وليبيا )) وتسعى من خلال تواجدها إلى تأسيس قواعد لها في هذه البلدان الثلاث ، قواعدٌ ذات أهداف استراتيجية وهذا الأمر أثارَ حفيظةَ و استغراب كثير من المراقبين في ظلّ تعقيداتِ المشهد السياسي على الساحة الإقليمية والدولية، وعلى الرغم من ذلك لا أجد أنهُ يشكل مفاجئةً كما لم يكن محضَ الصدفة بل هو انعكاسٌ واقعي للاستراتيجية الخارجية لحزب العدالة والتنمية منذ توليه السُلطة في تركيا عام 2002 إذ كان هدفهُ الأساسي استعادةَ أمجاد تركيا ومنحها دوراً فاعلاً إقليمياً و دولياً مع اختلاف كبير في الأهداف والأدوات بين حقبة عبد الله غول , داوود اوغلو , علي باباجان وحقبة أردوغان ومن معه فالفريق الأول كان يعتمد سياسية ناعمة قائمة على الانفتاح تسعى إلى بناء شراكات وعلاقات اقتصادية إيجابية ومتوازنة مع جميع الدول التي كانت تحت السيطرة العثمانية فيما مضى أما الفريق الثاني اعتمد على السياسة الخشنة بهدف استعادة أمجاد الدولة العثمانية وإعادة سيطرتها على دول وكيانات مجاورة من خلال استخدام القوة وتوظيف الخطاب الديني والقومي عبرَ حلفاءَ محليين لتعزيز نفوذها وزيادة سطوتِها كما يحدث الان في كل من سوريا وليبيا.
ولكن لماذا الآن؟ ... ولماذا تتصاعد وتيرةُ الصراعات بهذا الشكل الجنوني والمتسارع في وقت قياسي ومن أين يستمد أردوغان قوته للتدخل والتواجد في ثلاث دول معاً، وما هي الأهداف الاستراتيجية لهذه التدخلات.... كلها أسئلة برسمِ الإجابات لفهم التغيرات الاستراتيجية وفهم هذه التدخلات غير الشرعية في دولٍ ذاتُ سيادةٍ مستقلة.
اتفاقية لوزان:
تكمنُ الإجابة على هذه الأسئلة في اتفاقية لوزان الثانية التي تم توقيعها في 24 يوليو /تموز 1923 في لوزان، سويسرا وتم على إثرها تسوية وضع الأناضول وتراقيا الشرقية ( القسم الأوروبي من تركيا حالياً ) في الدولة العثمانية وذلك بإبطال معاهدة سيفر التي وقعتها الدولة العثمانية نتيجةً لحرب الاستقلال التركية بين قوات حلفاء الحرب العالمية الأولى والجمعية الوطنية العليا في تركيا (الحركة القومية التركية) بقيادة مصطفى كمال أتاتورك حيث قادت المعاهدة إلى اعتراف دولي بجمهورية تركيا التي ورثت محل الإمبراطورية العثمانية ، وكانت معاهد سيفر قد منحت سكان إقليم كردستان حقَ إجراء استفتاءٍ لتقرير مصير الإقليم الذي يضم ولاية الموصل وفقاً للبندين 62-64 من الفقرة الثالثة.
لا يتوقف أردوغان عن مهاجمة الاتفاق معتبراً بشكل واضح إلى أن اتفاقية لوزان ستنتهي في عام 2023 على الرغم من عدم وجود أي بند من بنود الاتفاقية البالغ عددها 143 يشير الى تاريخ انتهاء الاتفاقية. كما قام أنصار أردوغان بدعاية كبيرة من خلال نشر أخبار ومقالات وأبحاث تؤيد رؤيتها على الرغم من أنَّ القانون الدولي واضح فيما يتعلق بآليات إنهاء الاتفاقيات، ولا توجد أي نصوص تجيز انتهاء الاتفاقيات الدولية بالتقادم إلا أنهُ توجد بنود أخرى تشير إلى أنَّ تغيير ظروف ووقائع المعاهدة قد ينهيها، أي يجب أن يخوض حرباً ضد الحلفاء وينتصر فيها كما فعل أتاتورك للجلوس على طاولة واحدة ويبقى السؤال هل يمكن أن يحدث ذلك الآن، يبقى احتمالا وارداً. وعلى الرغم من ادعاءات أردوغان أنَّ الاتفاقية ليست عادلة لتركيا وهم غير راضونَ عنها إلا أنَّ الاتفاقية منحت تركيا ما لم يكن لها فيها أيُّ حق وهي كوردستان بما فيها لواء اسكندرون مقابل بعض الامتيازات النفطية وغيرها وبالنتيجة أدى ذلك إلى خلق واحدة من أكبر الازمات في التاريخ المعاصر، وكانت تركيا بموجب الاتفاقية قد تخلَّت عن نفوذها في ليبيا الغنية بالنفط وفي قبرص وهذا ما يفسر الصراع.
المشتعل بين تركيا ودول حوض المتوسط مثل مصر , اليونان وإيطاليا وهي تفسر أيضاً محاولات تركيا تأسيس قواعد لها في ليبيا باستخدام مرتزقة سوريين فتركيا تتهيأ لتكون دولةً نفطية لديها سيطرة جمركية على واحد من أهم المضائق العالمية لتصدير نفط الشرق الأوسط وشمال افريقيا وما يشاع أن اتفاقية لوزان سواء الأولى أو الثانية قد حرمت تركيا من حقها في التنقيب عن النفط والغاز هي " غير صحيحة " - يمكن مراجعة الاتفاقيتين في الملحقات - والهدف من استخدام هذه الدعاية هي لإضافة طابع الشرعية لتدخلات تركيا وسيطرتها على مقدرات الشعوب لدى جمهور أردوغان في تركيا وفي العالم العربي وفي ذات الإطار الاستراتيجي أعلنت تركيا نيتها فتح قناة أخرى تربط بين البحر الأسود ومرمرة وصولاً إلى المتوسط، كما أن بناء مطار إسطنبول الدولي يعتبر جزءاً من ذات الاستراتيجية في الأعوام المقبلة، حيث من المتوقع أن يربط المطار بين اثلاث قارات "آسيا، أوروبا وافريقيا “وأن يساهم في تبادل حركة النقل والتجارة مع 300 وجهة مختلفة ويقدم خدمات لأكثر من 200 مليون مسافر سنوياً.
في هذا الإطار قد نشهد تحالفاً ثلاثياً بين قطر، إيران وتركيا وسيكون هذا التحالف مرعباً لمصالح كل من السعودية، الإمارات والخليج عامة ومصر كما سيكون مرعباً لأوروبا.
التأسيس:
بالعودة الى سلوكِ وخطابات أردوغان نجد أنَّ الرجل متيمٌ بالسلاطين العثمانيين وإنجازاتها حتى أنه جعل تنصيبه رئيسا طقس من طقوس الدولة العثمانية ولن أستغرب أن اطلق أن أعاد منصب السلطان بدل من منصب الرئيس، ومشروعه السياسي ميّال لشكلِ الحكم القائم على استخدام الدين وقوانينها ليكون حاملاً للدولة وهو يسعى إلى قيادة العالم الإسلامية وفق منظورٍ، وهذا هو السبب الأساسي لتحالفه مع أموال قطر وجماعة الاخوان المسلمين فهو يرى فيهم احصنة طروادة، وقد استغل أردوغان الانقلاب العسكري الذي وقع في 15 يوليو 2016 ليحكم قبضته ويبسط كامل سيطرته على الدولة ومؤسساتها ويُضعِف من قوةِ معارضيه، فقامَ بتغيير الدستور ليجعل شكل الحكم رئاسياً بعد أن كان برلمانياً، وأبعد جميع شركاءه بالحزب وأقصاهم عن قيادة الحزب والدولة وسلَّم عائلته و مواليه المخلصين المناصب الحساسة والهامة في الدولة مثل تسليم وزارة المالية الى صهره بيرات البيرق.
سوريا:
تم رسم الحدود بين تركيا سوريا بموجب اتفاقية أنقرة المبرمة في 20 تشرين الأول 1921 بين فرنسا والحكومة القومية التركية وتبنى الحلفاء الاتفاق الثنائي في معاهدة لوزان عام 1923 فأعيد ترسيم الحدود مع سوريا بما يشمل ضمّ أراض واسعة وتضم من الغرب إلى الشرق مدن ومناطق مرسين وطرسوس وقيليقية وأضنة وعنتاب وكلس ومرعش وأورفا وحران وديار بكر وماردين ونصيبين وجزيرة بوطان ذلكَ مقابل تنازل تركيا عن ليبيا، ومن حينها غلب طابع التوتر المستمر على العلاقات التركية السورية لحين وصول حزب العدالة والتنمية إلى سلطة الحكم حيث بدأت مرحلة من مراحل الانفتاح الاقتصادي والثقافي مع سوريا وازدادت العلاقات التجارية وبدأت تركيا غزوها للمجتمعات السورية والعربية عامةً من خلال سياسة الانفتاح الثقافي التي شملت مجموعة من المسلسلات والرحلات السياسية ورحلات تبادل الخبرات ضمن المجالس المحلية.
وبعد انطلاق الثورة السورية في العام 2011 وقفت تركيا ضد بشار الأسد بعد رفض الأسد مطالب تركيا في تقاسم السُلطة مع الاخوان المسلمين بسبب رفض حلفاء دمشق روسيا وإيران لذلك المقترح، فوقفت حكومة العدالة موقف ضد وحاولت في البداية ركوب القطار الأمريكي الأوروبي واستطاعت أن تضع موطئ قدم لها في سوريا مستغلةً وجود المعارضة على أراضيها واستخدام التيارات الإسلامية مثل الاخوان ولاحقاً استخدم تركمان سوريا ثم بدأت بوضع قدم في القطار الروسي منذ إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر 2015، التي شكلت نقطة انعطاف للالتقاء مع مصالح بوتين وروحاني وأصبحت تستخدم مناطق نفوذها وحلفاءها المحليين كأدوات لتبادل مناطق النفوذ والسيطرة من أجل الحد من أكبر التحديات التي تواجه تركيا وهي منع الكورد في الحصول على حكم ذاتي على غرار إقليم كوردستان العراق ومنعهم من الانفصال، بطبيعة الحال هذا النوع من الخطابات لديها جمهور كبير بين أطراف المعارضة السورية السياسية منها والعسكرية.
العراق:
الدخول إلى العراق والرغبة في انشاء قواعد هدفها إعادة إحياء حلمٍ قديم هو السيطرة على الموصل وكركوك حيثُ لم تتطرق اتفاقية لوزان الى مصير الموصل وارتأت تأجيلها وتسويتها في وقتٍ لاحق، وبقيت تركيا تدَّعي أنَّ الموصل مدينة تركية إلى اليوم على الرغم من أن جميع اللجان التي تم تشكيليها أقرَّت بعراقية وكردية الموصول وكركوك وكانت لجنة كينغ كراين أوصت بأن تكون تحت السيطرة الكوردية اثناء الانتداب البريطاني وقد نشهد خلال الفترة المقبلة فتح معبر بين تركيا والعراق من ناحية زاخو بعد أن بدأت في تشييد قواعد أكبر فيها من أجل تسهيل العمليات اللوجستية وأيضا التجارية من أجل محاصرة إقليم كوردستان العراق وخاصة في ظل الخلافات الكبيرة بين أربيل وبغداد. فالمبررات التي يسوقها السياسية الخارجية التركيا والمتعلقة بمحاربة حزب العمال الكوردستاني غير صحيحة فالحل موجود في انقرة وهو بسيط جدا ويتمثل بالعودة الى طاولة مفاوضات لتحقيق استقرار سياسي واقتصادي سيعود بالفائدة للشعب التركي والكردي على حدا سواء وسيكون له تأثيرات إيجابية على علاقات تركيا الإقليمية.
الموقف من كوردستان:
تشير التحركات أنَّ أردوغان ينوي العودة إلى حدود اتفاقية زهاب بين الدولة الصفوية والعثمانية في 17 مايو 1639 والتي أسست لأول تقسيم لكوردستان الكبرى حيث ألحقت كل من جزئي سوريا والعراق إلى تركيا وبقيت إيران محتفظة بالقسم الآخر تحت سيطرتها، وبقيت الحدود بدون تغيير إلى أن تم توقيع اتفاقية لوزان الثانية عام 1923 والتي رسمت الحدود الحالية للدول لكوردستان.
هذه المشروع يذكرُنا بمشروع تركت آزال الرئيس الليبرالي لتركيا وصاحب النهضة الاقتصادية في نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات وصاحب مشروع الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حيث كان يرى الرجل أنه لا يمكن الوصول إلى استقرار اقتصادي وسياسي بدون إيجاد حل دائم مع الكرد.
ليس فقط في تركيا بل في كل من سوريا والعراق أيضاً وصوله الى هذه النتيجة لم تكن وليدة الصدفة ففي البداية حاول استخدام منهج مختلف قائم على تحرير القيود على الانتماءات القومية والدينية وتأسيس دولة متعددة الثقافات وقام ببعض الإصلاحات وأمام ضغط الجنرالات العسكرية التركية وأمام انعدام ثقة حزب العمال الكوردستاني بنواياه لجأَ إلى القوة من أجل إنهاء حزب العمال الكوردستاني فاجتاح إقليم كوردستان مصحوباً بآلاف الجنود والعتاد ولكنه فشل فشلاً كبيراً فأيقن الرجل أنه لا يمكن حل المشكلة الكوردية إلا سلمياً ولكن جهوده لم تُكتب لها النجاح في مسعاه حيث تم اغتياله بالسُم في الليلة التي سبقت توقيع اتفاقية إعلان السلام مع عبدلله أوجلان قائد حزب العمال الكردستاني. ويبدو لي أنَّ اردوغان يستلهم خطته تجاه كوردستان سوريا والعراق من رؤية تركت آزال مع فوارق شاسعة في الرؤى فالرجل فالأول سعى إلى شراكة حقيقة مع الكورد أما أردوغان فهو يسعى الى سحق الأكراد وإنهاء وجودهم وإجراء عمليات تغيير ديموغرافي كبيرة على جميع الأصعدة.
وعلى الرغم من الكُره والضغينة التي يكنها أردوغان للأكراد إلا أنَّ أردوغان بسياساته هذه قد يحقق ما فشل عنه الكورد خلال المئة عام الماضية وهي توحيد ثلاثة أجزاء من كوردستان تحت سيطرة دولة واحدة كما كان عليه الحال عندما تم توقيع اتفاقية شيرين – زهاب - بين الدولة الصفوية والعثمانية.
يمكن تسمية هذه الاستراتيجية التي بدأت ملامحها تتوضح أكثر بــــــــ: الهلال العثماني على غرار الهلال الشيعي التي تشكل تهديداً لكل من سوريا والعراق والسعودية والامارات العربية المتحدة والخليج بالإضافة الى مصر واليونان وإيطاليا وفرنسا.
السُلطة:
تثيرُ تحركات أردوغان وتدخلاته العسكرية حيرةً واسعة بسبب ضعف ردة فعل المجتمع الدولي وخاصة الدول الكبرى وهي حيرة منطقية لما يشكلهُ ذلك من خللٍ في موازين القوى الإقليمية والدولية، وهي تعودُ إلى شيئين ، الأول هو استغلال الفراغات الموجودة في النظام العالمي فيما يتعلق بموازين القوى والمتوفرة بكثرة بين الخصمَيَن الدولييَن التقليديَن أمريكا وروسيا من طرف و من طرف آخر أوروبا وروسيا ، فحكومة العدالة تعلمُ جيداً أنَّ موقعها الجيوسياسي ووجودها في حلف الناتو وانخراطها في الآستانا وبناء علاقات قوية مع إيران وروسيا على حدٍ سواء جعلت منها بيضةَ قبان في الصراع الدولي الحالي وهي تعلم جيداً أنَّ جميع الأطراف لديها حسابات حسَّاسة مع تركيا مثل ملف اللاجئين وملف حلف الناتو و منظومة الصواريخ الروسية S- 300 وهو ما يُفسَرُ بأنَّ الجميع يسعى إلى كسب تركيا لأنها قوية ولكن هذا اعتقادٌ خاطئ لأن الجميع لا يرغب في أن تتدهور الأوضاع أكثر مما هي عليه.
نقطة القوة الأخرى والأكثر أهميةً هي الإدارة الامريكية الحالية متمثلةً بدونالد ترامب، فتركيا دائماً كانت لها مكانة مميزة في السياسية الخارجية الامريكية في الشرق الأوسط نتيجة لمكانتها الجيوسياسية ونظراً لوجود إيران وإسرائيل من ناحية أخرى لذلك كانت دائماً تحظى بمكانة بارزة، ففي عهدِ بوش الابن مثلاً كان حزب العدالة ذات مكانة بارزو في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط مع فوارق كبيرة جداً بين سياسة ترامب وبوش الابن فالأول كان يسعى للحفاظ على حلفاء الولايات المتحدة بينما الثاني يريد استبدال حلفاء الولايات المتحدة.
ترامب الذي تربطه مصالح شخصية وعائلية مع أردوغان وحكومته يديرُ السياسة الخارجية وكأنها شركة تجارية تقوم على منطق الربح والوقوف إلى جانب الطرف القوي والمنتصر بغض النظر عن صاحب الحق أو قيم الديمقراطية والحرية التي تتباها بها الولايات المتحدة، فمثلاً رؤيته لحل الصراع التركي - الكوردي في شمال شرق سوريا كانت بإطلاق يد أردوغان فيها ولولا جماعات الضغط الصديقة للشعب الكوردي في أمريكا مثل الانجيليين أصحاب 30% من الأصوات الانتخابية لكانت تركيا اليوم تسيطر على جميع الشمال الشرقي، هذه التوجهات للسياسة الخارجية هي بالتأكيد لا تناسب حليفتها أوروبا ولكن معروف للجميع أن ترامب لا يرى أي فائدة من الشراكة مع أوروبا على العكس يرى أنها بدون مستقبل اقتصادي.
الخُلاصة:
التحول الكبير في السياسية الخارجية التركيا تتمثل في تحولها من سياسية يقوم ببنائها مجموعة افراد ومؤسسات دولة الى سياسية خارجية فردانيا وهذا التحول كانت له أثار سلبية كثيرة رغم أن الشكل الخارجي لها يوحي بأنها أفضل. كل هذا المحاولات في أعادة أمجاد الدولة العثمانية هي لأسباب اقتصادية أولاً وأيدولوجية ثانياً.
وبالتأكيد هناك عوامل نفسية وشخصية لها دوراً كبيراً في تشكيل رؤية اردوغان للسياسية الخارجية، فمن خلال تحليل سياسة الخارجية التي يتبعها أردوغان وخطاباته فمن الواضح أن الرجل غير منفتح على الدول الديمقراطية أو الرؤساء أصحاب التوجهات الليبرالية أو اليسارية بل هو ميالٌ إلى الدول الشمولية والقادة المستبدين والمتفردين، ففي السابق كانت سياسة حزب العدالة والتنمية قائمة على ( صفر مشاكل ) مع دول الجوار ولكن اليوم هي قائمة على أساس صفر أصدقاء، فالصراعات والأعداء تعطيها مبررات للتحكم بمقدَّرات الدولة وتوجيهها حسب سياستهِ فالرجل الذي تخلَّص من جميع أصدقاءه في الحزب كسب الحزب لنفسه وكسب معها تركيا وعلينا أن نعترف أنهُ قادرٌ إلى الآن من تحقيق ما يريد من خلال الحشد والمناصرة التي يبرع بها وأيضاً عبرَ ممارسة القمع فسياسته قائمة على خلق الصراعات وتغذية المشاعر القومية والدينية ونشر الكراهية ولكن هذه الصراعات هل سوف تحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي لتركيا وشعبها؟!! هل يمكن لتركيا أن تتحول مرة أخرى إلى امبراطورية عالمية لها مكانة محترمة بين الدول المتقدمة؟
شخصياً لا اعتقد ذلك فيجب ألاَّ ننسى أنَّ هناك دائماً احتمالات لحدوث تحولات داخلية كخسارة انتخابات أو انقلاب أو تغيير في سياسات الدول التي يستمد منها قوته مثل الولايات المتحدة، ناهيك أنَّ هذا النهج قد ولَّى زمانه واستمراراه قد يضع تركيا ضمن دول محور الشر ويتم محاصرتها اقتصادياً ودبلوماسياً فاليوم نحن ندور في فلك تلاقي مصالح كبرى بين إيران وقطر وتركيا فهم يشتركون بنفس الأعداء ويسعون للانتصار من أجل تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ولكن هناك عقبات أساسية وهي السعودية والإمارات وأيضاً مصر لذلك تلتقي الدول الثالثة في دعمها للإخوان للسيطرة على مصر واشغال الخليج وحتى تقليص دورها ، وفي النهاية قد نشهد مواجهات عسكرية جديد وانتصارها يعني عودتها ، وخسارتها يعني أن تتحول إسطنبول الى دولة مستقلة.
أمام هذه المشاريع وحواملها القوية ، على الكورد أن يتبنوا استراتيجية واضحة واختيار الشركاء الأقرب إليهم ، يبدوا من خلال اللوحة أنَّ العربَ وعلى رأسهم سوريا، والسعودية ومصر والإمارات هم الشركاء المنطقيون بالإضافة إلى أوروبا وأمريكا، وروسيا، فعلى الكورد أيضاً الاستفادة من سياسة الفراغات ولكن عليهم أولاً ترتيب البيت الداخلي ليس فقط في جزء من كوردستان إنما في الأجزاء الأربعة وعليهم بناء مشروع ديمقراطي قائم على التضمين والمشاركة لجميع المكونات التي تعيش في كوردستان وعليهم تبني منهج ينسجم مع عالم متحضر وأخيراً عليهم تبني مشروع واحد إما الفدرالية أو حق تقرير المصير.
وبالرغم أنَّ البعض يرى خطراً من سعي أردوغان إلى إلغاء اتفاقية لوزان إلا أنني أعتقد أنه قد تشكل بذات الوقت نافذة صغيرة من شأنِها أن تعيد الحق الى أصحابها ولكن علينا أن نكون مستعدين.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى التواصل مع تفن من خلال البريد الالكتروني. Info@tevnakurdi.org
Comments